هل من الممكن أن نرى سحب الاكتئاب الغائمة من بعيد، والتي توشك أن تسقط أمطارها الغزيرة علينا فتغرقنا في دوامات من الأحزان والمرض، فنستعد لمواجهتها ونتجنب الغرق في مياهها العميقة؟!
هذا ما حاول فريق بحثي بجامعة ستانفورد الأمريكية أن يفعله من خلال تصميم بعض برامج الكمبيوتر سهلة الاستخدام، والتي هي في جوهرها برنامج تدريب للمخ حتى يتجنب السقوط في فخ الاكتئاب.
قام الفريق البحثي بقيادة إيان جوتليب بعمل دراسة شملت فتيات في مرحلة المراهقة ممن تعاني أمهاتهن من الاكتئاب.
تم اختيار هذه العينة من الفتيات لوجود اعتقاد قوي بأنهن الأكثر عرضة من الأخريات للإصابة بالاكتئاب نظرا للظروف المحيطة بهن من ناحية، وأيضا لوجود احتمالات وراثة المرض عن أمهاتهن.
وبالرغم من أن الباحثين قد تأكدوا من عدم معاناة أي من هؤلاء الفتيات من الاكتئاب عند بداية الدراسة، وجدوا أن عقولهن تتفاعل بسرعة مع الأحداث المحزنة أو السلبية، وهو ما قد يكون البداية للسقوط في بئر الاكتئاب المظلم.
وكان الأمر يتعلق بمدى إمكانية تدريب هؤلاء المراهقات على استخدام بعض برامج الكمبيوتر التي تمكنهن من رؤية أنشطة المخ لدى كل منهن، وبالذات نشاط المناطق المسئولة عن تحفيز المشاعر السلبية لدى الإنسان، وبالتالي توخي الحذر عند ملاحظة نشاط زائد في هذه المناطق واللجوء لمساعدة طبيب متخصص في حالة الفشل في حصار المشاعر السلبية والسيطرة عليها مبكرا. وقد نجح فريق الباحثين بالفعل في تدريب 8 فتيات على التحكم في نشاط المناطق المرتبطة بالاكتئاب في مخ كل منهن.
وقد تمت هذه التجربة باستخدام أجهزة مسح متطورة تقوم بمراقبة أنشطة المخ وربطها بجهاز كمبيوتر ترى كل فتاة على شاشته مؤشرا تعرف من خلاله مستوى نشاط المناطق المشار إليها.
ومع مجموعة أخرى من الفتيات، قام فريق الباحثين بإجراء التجربة نفسها، ولكن باستخدام أداة أخرى عبارة عن لعبة كمبيوتر بسيطة تدعو للتفاؤل ونبذ المشاعر السلبية من خلال عرض مجموعة من الصور بشكل متتال تحمل وجوها عابسة حزينة وأخرى محايدة وثالثة مبتهجة ومبتسمة، مع تدريب الفتيات مع الوقت على الضغط على الصور المبتسمة وتجاهل النظر تماما للوجوه الحزينة، وهو ما يؤثر إيجابيا عليهن من الناحية النفسية وينعكس على اختياراتهن الأخرى في الحياة، فيبتعدن عما يثير الحزن والشجن ويبحثن دوما عن التفاؤل والسعادة حتى في أبسط الأشياء وبالتالي يتجنبن السقوط في مصيدة الاكتئاب والمرض.
وقد أشادت مجموعة من كبار الأطباء النفسيين بهذه الجهود المبذولة من جانب هذا الفريق العلمي، ورأوا أن كلا الأسلوبين يمكن استخدامه بسهولة من جانب المراهقات، وأنه قد يلعب دورا إيجابيا في مساعدتهن على تجنب الإصابة بالاكتئاب. وقد ظهر ذلك من خلال مراقبة العمليات الحيوية البيولوجية المختلفة للفتيات اللاتي استخدمن إحدى الوسيلتين السابق ذكرهما، فوجد أن مستوى التوتر لديهن ينخفض بصورة كبيرة كما يتحسن ضغط الدم لديهن وتنتظم ضربات القلب وينخفض مستوى الكوليسترول في الدم. وبالتدريج والتدريب أصبحت لدى الفتيات القدرة على مقاومة الاستجابة للعوامل المؤثرة عليهن سلبا والتي تثير الحزن والكآبة لديهن.
وقد عبر رئيس برنامج العيادات النفسية بجامعة هارفارد عن انبهاره بهذه النتائج التي توصل إليها فريق البحث، ووصف هذا العمل بأنه عمل تطويري يقتحم مناطق جديدة لم يسبق لأحد التطرق إليها من قبل.
ومازال العمل جاريا لتطوير هذا البرنامج، والتوسع في إجراء التجارب على عدد أكبر من الفتيات ومقارنة النتائج بما أنجز سابقا في سبيل الحصول على نتائج أفضل على قاعدة أكبر من الأشخاص.