تيمورلنك


تيمور لنك





بعد أن كون المغول دولتهم الشاسعة في معظم أجزاء القارة الآسيوية، أخذ شمل المغول في التشتت في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وكان كل ولد من أولاد جنكيز خان الأربعة قد كوّن دولة في جزء من أجزاء المملكة الكبرى، ومع الضعف والتشتت أصبحت كل دولة أجزاء مبعثرة، واستقل كل زعيم بمنطقته، وكان معظم هؤلاء الزعماء من التركمان وليسوا من المغول، وكان الخلاف بين هؤلاء الزعماء والأمراء كثيرًا ما يؤدي إلى القتال، وفي هذه الأجواء المضطربة ظهر تيمورلنك.


وُلد «تيمورلنك» ـ ولنك معناها الأعرج ـ في مدينة «كشن» سنة 736هـ لأسرة تنتمي إلى قبيلة «البرلاس» التركية، وتدين بالمذهب الرافضي، وكانت مدينة «كشن» من ضواحي مدينة «سمرقند» الكبرى، وكان «قراجا رنويان» أحد أجداد «تيمورلنك» قد خدم الطاغية «جنكيز خان» فأحبه وجعله وصيًا على ابنه «جغطاي»، وكما قلنا إن أسرة تيمور كانت من الروافض، وقد خدم الكثير من الروافض «جنكيز خان» خاصة في حملته على العالم الإسلامي السني، وهذه الأصول جعلت تيمور لنك بعد ذلك ينطلق بنفس الفكر والطريق في بلاد الإسلام.


كان تيمورلنك صاحب همة عالية وعزيمة صلبة وطموح يناطح الجبال، كانت بداية شهرته عندما أصبح واليًا على مدينته «كشن» وذلك بعد أن خدم جيش خان التتار الذي جاء لتأديب أحد الأمراء الثائرين، فكافأه خان التتار «توغلق» على ذلك بهذا المنصب، ثم ترقى الحال بتيمور لنك حتى أصبح واليًا على سمرقند كلها، ولكنه دخل في خلاف مع التتار بسبب المعاملة السيئة من قبلهم لأهل سمرقند، فأرسل إليه خان التتار جيشًا ضخمًا لقتل تيمور وتأديب أهل سمرقند ففر تيمورلنك من البلد وانضم إليه الأمير حسين أخو زوجته، وكان هو الآخر فارًا من حكم بالإعدام أصدره عليه خان التتار، وبعدها بدأت مرحلة جديدة من حياة تيمور لنك.


اتحد الأميران الفاران من حكم الإعدام وتجمع عندهم الكثير من المؤيدين لهما وحاربوا المغول وانتصروا عليهم، ثم وقع خلاف بين الرجلين خرج منه تيمورلنك منتصرًا، ومن ثم أصبح تيمورلنك صاحب الكلمة العليا لبلاد ما وراء النهر، وكان خان التتار في بلاد ما وراء النهر ضعيفًا وهو «سيوزعتمش» فجعل تيمور لنك بمثابة الوزير الفعلي والمتحكم الحقيقي في البلاد، والذي أعاق «تيمورلنك» من تولي منصب الخانية أنه ليس من المغول ولا من أحفاد «جنكيز خان» وذلك سنة 771هـ.


أصبح تيمورلنك أقوى رجل في قلب آسيا، فاستعان به خان وسط آسيا «توقتاميس» في حربه ضد خان القرم «ماماي» فأنجده تيمور وانتصر على خصومه وأعاد الروس إلى الطاعة سنة 781هـ وخلال المدة من سنة 782هـ ـ 786هـ استولى تيمورلنك على خراسان، وجرجان، ومازندران، وسجستان، وأفغانستان، وفارس، وأذربيجان، وكردستان، أي أن تيمور لنك قد حاز أملاك الدولة الإيلخانية التي كونها هولاكو حفيد جنكيز خان.


لم يكتف تيمورلنك بما فتحه من بلاد ما وراء النهرين، ذلك لأنه يحلم بإعادة مجد وإنجازات جنكيزخان الذي كان يعتبره قدوته ومثله الأعلى، قرر تيمورلنك غزو بلاد الهند على الرغم من أنهم مسلمون فاستولى على كشمير ودهلي سنة 802هـ، ودمر مدينة دهلي عاصمة الهند تدميرًا شاملاً، وقتل بها مائة ألف مسلم، كما دمر من قبل مدينة «سراي» وقتل بها عشرات الآلاف.


استولى تيمورلنك على العراق ثم القوقاز ثم جورجيا، ثم توجه بعد ذلك إلى الأناضول من أجل محاربة العثمانيين بعد رسائل خشنة بينه وبين بايزيد الصاعقة وذلك سنة 805هـ وكان وقتها بايزيد محاصرًا للقسطنطينية، ففك بايزيد حصاره، ثم عاد مسرعًا إلى الأناضول ليفاجأ هناك بجيش عرمرم يفوق النصف مليون مقاتل، وينتصر تيمورلنك ويمزق الدولة العثمانية تمزيقًا يعيدها لسيرتها الأولى، ويهدد الشام ويحتل حلب ودمشق ويجبر سلطان المماليك ناصر الدين بن الظاهر برقوق بدفع الجزية والدخول في طاعته.


وبعد أن مد تيمورلنك دولته إلى هذه المساحة الشاسعة غربًا وشمالاً وجنوبًا قرر أن يتجه تيمورلنك شرقًا، حيث قرر أن يغزو بلاد الصين ليتم له كل ما ملكه جنكيز خان وزيادة، ولكنه يتوفى في الطريق في 17 شعبان 807هـ ـ 18 فبراير 1405م.


كان تيمورلنك معتنقًا للمذهب الشيعي متعصبًا فيه وسار أبناؤه من بعده على نفس النهج، وكان يجبر الناس في دولته على التشيع، وكان تيمورلنك شديد التناقض، ففي حين كان يسره أن يجمع جثث قتلاه في الحروب ويصنع منهم أهرامات ومن رؤوسهم مآذن، كان يصطحب معه أثناء حروبه مسجدًا من خشب حتى لا تفوته صلاة الجماعة في المسجد، وكان يعطي حفاظ القرآن أموالاً ضخمة، وفي حين كان يجمع أسراه في الحروب ويحفر لهم الخنادق ويدفنهم فيها أحياءً، كان يحضر المناسبات الدينية ويظهر فيها بصورة المعظم للشرع، ومن أجل تحقيق طموحاته الجامحة وحلمه بتكوين مملكة المغول الكبرى خاض معارك كثيرة وطاحنة، غالبيتها ضد المسلمين، ومن أجل سعيه لزعامة العالم حارب كل زعماء المسلمين في كل مكان، واشتبك مع كل السلاطين والزعماء وقضى عليهم وعلى نفوذهم ودولهم ليكون هو زعيم العالم الأوحد، ودمر الكثير من بلاد المسلمين وقتل مئات الآلاف منهم، ومع ذلك يحاول بعض المؤرخين وصفه بأنه كان من فاتحي الإسلام الكبار ومن المصلحين المجددين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق