دعاء اللهم إني أسألك الثبات على الرشد
الحمد لله
أولا :
لم نقف على ما ذكرت من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، ولم نقف على هذا الدعاء : (اللهم إني أسألك الأنس بقربك ) في شيء من كتب السنة . ولا وجدناه منقولاً عن أحد من السلف ، ولهذا يبعد صدور هذا الكلام عن الشيخ رحمه الله .
وقد علم من حاله اقتفاء أثر السلف وتعظيم الأدعية الثابتة ، وعدم الجزم بمثل هذه الفضائل إلا بدليل ، لا سيما وقد يروج لهذا الدعاء من يزهّد الناس في طلب العلم ، ويزعم أنه تلقى العلم من الله مباشرة ، كما يقول أحدهم : حدثني قلبي عن ربي !
وقد جاءت النصوص بالحث على طلب العلم والترغيب فيه بل الإخبار بأنه فريضة على كل مسلم .
وقد سألنا الشيخ الدكتور سامي الصقير حفظه الله – وهو من كبار طلاب الشيخ رحمه الله الملازمين له- فقال : إن هذا كذب على الشيخ .
ثانيا :
دعاء : ( اللهم إني أسالك الثبات في الأمر ...) من الأدعية النبوية الثابتة ، فقد روى أحمد (17155) والترمذي (3407) والنسائي (1304) عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا ، وَقَلْبًا سَلِيمًا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) والحديث صححه الألباني في السلسة الصحيحة رقم 3228 وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
وهو عند أحمد بلفظ : ( إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ : الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ...)
فهذه الجملة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، لا من كلام الشيخ ابن باز رحمه الله .
وقَوْلُهُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ ) أَيْ الدَّوَامَ عَلَى الدِّينِ وَلُزُومَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ .
( وَأَسْأَلُك عَزِيمَةَ الرُّشْدِ ) هِيَ الْجِدُّ فِي الْأَمْرِ بِحَيْثُ يُنْجَزُ كُلُّ مَا هُوَ رُشْدٌ مِنْ أُمُورِهِ , وَالرُّشْدُ هُوَ الصَّلَاحُ وَالْفَلَاحُ وَالصَّوَابُ , وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ : أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ . أَيْ : عَقْدَ الْقَلْبِ عَلَى إِمْضَاءِ الْأَمْرِ
( وَأَسْأَلُك شُكْرَ نِعْمَتِك ) أَيْ التَّوفيقَ لِشُكْرِ إِنْعَامِك .
( وَحُسْنَ عِبَادَتِك ) أَيْ إِيقَاعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ الْمَرَضِيِّ
( وَأَسْأَلُك لِسَانًا صَادِقًا ) أَيْ مَحْفُوظًا مِنْ الْكَذِبِ ( وَقَلْبًا سَلِيمًا ) أَيْ عَنْ عَقَائِدَ فَاسِدَةٍ وَعَنْ الشَّهَوَاتِ .
( أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ) أَيْ مَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَلَا أَعْلَمُهُ أَنَا .
وهذا سؤال جامع للاستعاذة من كل شر ، وطلب كل خير ، وختم هذا الدعاء الذي هو من جوامع الكلم بالاستغفار الذي عليه المعول والمدار ، فقال : وَأَسْتَغْفِرُك مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .