التغيير... كلمة من سبعة أحرف تخيفنا في أغلب الأحيان وتهزنا من الأعماق. كلمة تثير فينا الخوف والقلق من الانزلاق لطريق مجهول مظلم قد تنتظرنا به مئات العقبات والمشاكل والآلام.. هكذا نفكر بسلبية دائما دون أن ندرك أن نسبة حدوث هذا قد تقل كثيرا عن 50% لتظل بقية النسبة الإيجابية لصالح أن يأخذنا طريق التغيير لأفضل وأسعد ما يمكن أن يحدث بحياتنا كلها.
كلمة التغيير عندما نسمعها، نشعر برغبة فورية في التوقف وعدم مواصلة السير باتجاهها، ونتلفت حولنا بخوف ورعب محاولين استيعاب تفاصيل كل ما يحيط بنا ويسيطر علينا إحساس بعدم الأمان. لا مانع من التوقف، ولكن للحظة فقط نفكر فيها وندرس الموقف جيدا بتعقل حتى يمكننا في النهاية أن نقرر هل نحن راضون تماما عما نحن فيه الآن، أم أن التغيير يمكن أن يقودنا إلى طريق أفضل وإنجاز أكبر؟
في أحيان أخرى لا يكون التغيير خيارا، بل قد يصبح نتيجة لأمر واقع فرضته علينا الظروف، أو يصبح النتيجة الحتمية التي لا يمكن تجنبها لطريق اخترنا أن نسلكه منذ بداية المشوار دون أن نعلم إلى أين يؤدي هذا المسار. وفي هذه الحالة الأخيرة قد يكون هذا التغيير هو الصانع الحقيقي لمستقبل مشرق ينتظرنا - وفي هذه الحالة سنشعر بالامتنان لحدوث هذا التغيير الرائع- أو هو القشة التي تقسم ظهر البعير وتدمر كل شيء له قيمة في حياتنا، وهنا سنلعن حظنا العاثر الذي أدى بنا إلى هذا التغيير السيء والمرفوض من جانبنا.
لكن دعونا نعترف بأن فكرة التغيير في حد ذاتها ليست دائما رائعة. فليس كل ما يبرق ذهبا كما يقول المثل المعروف، وليس كل جديد ولامع بالضرورة أفضل مما هو بحوزتنا بالفعل. دعونا نضرب مثلا بسيطا على ذلك بالأحذية: من لا يحب أن يدلل نفسه من آن لآخر بشراء زوج رائع جديد وباهظ الثمن من الأحذية، وخاصة عندما تشعرين كلما مررت صباحا أو مساءً أمام واجهة المتجر أنه يناديك، فتدخلين في النهاية لتحصلي عليه في لفافة أنيقة وفاخرة مما يشعرك بالفخر لمجرد النظر إليه. وفي اللحظة التي تجدينها مناسبة تقومين بارتداء هذا الحذاء الجديد للتباهي به أمام الصديقات وتحديهن إن كانت إحداهن تملك مثله، لكن بينك وبين نفسك، وعندما تكونين بمفردك، تجدين أنك تسرعين لإخراج حذائك الأصيل القديم وتشعرين بكامل الراحة والسعادة لارتدائه رغم أنه بالي بعض الشيء وغير نظيف تماما. وهنا تواجهين نفسك بالحقيقة وهي أن الحذاء الجديد رغم أنه لامع وثمين، يؤلم قدميك، بينما القديم البالي المتسخ مريح أكثر بالنسبة لك!
نخلص من ذلك إلى أن التغيير أمر مهم وحيوي، بل وضروري حتى نستطيع أن نتطور ونتقدم بشكل أو بآخر، لكن يجب أن نفكر جيدا ونحسب احتمالات الفوز والخسارة بدقة قبل أن نقدم على التغيير، وبقدر الإمكان نحاول كذلك ألا "نحرق مراكبنا القديمة" كما يقولون، وذلك تحسبا لأي ظرف قد يضطرنا إلى العودة إليها يوما عندما نكتشف أنها الأفضل حتى وإن لم تكن الأحدث.
امضي في طريقك، وابحثي عن أمل جديد في حياتك كل يوم، ولكن لا تتخلي عن أقرب الناس إليك، وأجمل ذكريات الماضي بالنسبة لك، وأهم ما تعلمته في سنواتك السابقة، لأنها كلها أمور مسئولة بشكل ما عما وصلت إليه اليوم، وما ستحققينه غدا. وإذا لم تشعري بالراحة في المكان الجديد الذي حملك التغيير إليه، قد يمكنك عندها أن تعودي إلى ما كان بحوزتك في الأصل.