هن فتيات لا يجدن حرجًا في إعلان الحب لشبان أردن الاقتران بهم، ولا يرين في ذلك عيبًا، رغم اعترافهن بأنهن بذلك يكسرن قيدًا اجتماعيًا ونفسيًا، كثيرًا ما كبل مشاعر العديد من النساء، ما أضاع عليهن فرصًا ثمينة للزواج بمن يتمنين.
التقينا بعض الفتيات؛ ليروين شذرات من تجاربهن التي تخرج عن المألوف في العرف والعادات والتقاليد.
بداية تحدثت سلوى (21 عامًا)، موظفة بمطار مدينة «النفيضة» على الساحل التونسي، فقالت بكل صراحة: إنها لا تجد أي حرج في «إعلان الحب» لشاب تريد الارتباط به، وهي تؤكد أنه ليس في ذلك أي إشكال بالنسبة لها، ولا تراه عيبًا أو امتهانًا لكرامتها، مشيرة إلى أنها إذا رسمت لنفسها هدفًا في الحياة، فإنها تسعى لتحقيق ذلك الهدف بطرق شرعية، مضيفة: «إننا في تونس نتمتع بالمساواة بين المرأة والرجل، وإن جرى العرف والعادة على أن يبادر الشاب بالتعبير عن حبه للفتاة، فإنه لا مانع عندي إذا رأيت مصلحتي في ذلك؛ أن أكون أنا المبادرة بإبداء إعجابي وحبي لشاب رأيت أنه من الممكن أن أؤسس معه مشروع علاقة تنتهي بالزواج».
لا حرج
وفعلاً فإن سلوى عاشت هذه التجربة منذ أن كانت طالبة في الجامعة، ولا تجد حرجًا أبدًا في التأكيد بأن سر إعجابها بالشاب هو وسامته، وأنها هي التي بادرت بالتقرب منه، بل إنها تدبرت أمرها للحصول على رقم هاتفه الجوال، والتقته، وبعد محادثة مطولة صرحت له جهرًا بأنها أحبته من أول نظرة، وقالت: «لم أشعر بأنني تنازلت عن كبريائي، بل أحسست بأنني عثرت على رجل حياتي».
فورة شباب
أما هاجر بن منصور (22 عامًا)، وهي طالبة في اختصاص اللغة والآداب الإنجليزية بالجامعة التونسية، فتقول إنها عندما كانت تلميذة في صف البكالوريا (الثانوية العامة) تعرفت إلى تلميذ أعجبت به، بعد أن لاحظت أنه كان يطيل النظر إليها في صمت، فكانت هي المبادِرة بإعلان الحب له، وتفسّر ما أقدمت عليه بقوة شخصيتها، مضيفة: «كنت مقتنعة بأن ما قمت به هو شيء عادي، ولا عيب فيه، رغم معرفتي بأن الشاب التونسي عمومًا قد لا يستلطف أن تكون الفتاة هي المبادِرة بالتقرب منه لبناء علاقة جدية، هدفها الارتباط الرسمي، ولكنني كنت على يقين من أن الشاب الذي استلطفني كان خجولاً جدًا، وربما لا ثقة كبيرة له بنفسه، ولو لم أتجرأ للاقتراب منه؛ لماتت العلاقة في المهد».
اليوم فإن هاجر ترى أن ما أقدمت عليه كان نتيجة فورة الشباب، وبدافع تأجج العواطف في مرحلة من العمر؛ تتغلب فيها العاطفة على العقل، ولكنها تجربة ذهبت أدراج الرياح، ولم يبقَ منها إلا ذكرى جميلة فواحة، فهي الآن طالبة مجتهدة؛ هدفها تحصيل المعرفة والعلم، وأنها أصبحت أكثر نضجًا وأقل اندفاعًا.
ليلى (28 عامًا)، موظفة بمؤسسة خاصة، تؤكد أنها سعت إلى كسب قلب رجل أحبته بصدق، ورأت أنه ليس أمرًا معيبًا أن تعبّر له جهرًا بما تكنّه نحوه من مشاعر نبيلة، مشيرة إلى أن ذلك لا ينافي الحياء الذي تتسم به أي امرأة في سلوكها، مضيفة: «ما دام الهدف نبيلاً والمشاعر صادقة، فلا ضير بأن تُظهر المرأة ميلاً عاطفيًا تجاه رجل، ومصارحته بذلك».
فرّ بجلده
أسماء، وهي فتاة لم تتجاوز العشرين، رفضت أن تنشر صورتها، وقالت إنها تعرفت إلى شاب عبر الشبكة الاجتماعية «الفيس بوك»، وبعد دردشات تتواصل أحيانًا إلى ساعات متأخرة من الليل، انتهت بالقول له «إنني أحبك»، وتابعت: «فوجئ بجرأتي، وأربكه تصريحي، واتفقنا على أن نلتقي، وفعلاً التقينا ولاحظت أنه شاب خجول، وتوالت اللقاءات بيننا، وفي كل مرة كنت أعبّر له بصدق عن أملي في الارتباط به، على سنة الله ورسوله، وكنت أحثه على إعلام أسرته؛ ليأتوا إلى بيتنا ويتم الارتباط بشكل رسمي، لكنه كان في كل مرة يتعلل بحجج واهية، وتظاهرت بأنني مقتنعة بما كان يزعمه لي من أسباب، وأخيرًا أعطيته مهلة، فإما الارتباط رسميًا، وإما النهاية، فاختفى ولم يعد يرد حتى على الهاتف، وفهمت أنه لم يستلطف قوة شخصيتي، ولم يتقبّل أن أكون المبادِرة بإعلان الحب عليه، ولعل رواسب ثقافة تقليدية بداخله لم تتقبل ذلك، ولعله أيضًا خشي أنه بعد ارتباطه بي يمكن أن تطغى شخصيتي القوية عليه، مضيفة وهي تضحك: «ففر بجلده دون أن يترك أثرًا».
أسير التقاليد
أما سلمى، فقد اعترفت منذ البداية بأنها بحكم تجربة مرت بها، بادرت فيها بإعلان الحب لشاب زميل لها في العمل، وحسب تعبيرها «من الأفضل والمحبذ أن ترتبط المرأة برجل يحبها، أصلح وأجدى من أن تتزوج المرأة رجلاً تحبه»، مضيفة أنها درست في فرنسا، وتأثرت قليلاً بأسلوب العيش هناك من دون الذوبان فيها، ولذلك لم تجد حرجًا في إظهار ميلاً عاطفيًا نبيلاً لزميل لها في العمل؛ لما أحست من تقارب بينهما؛ من حيث العمر والمستوى التعليمي والاجتماعي، وبدا لها أن عناصر التوافق بينهما متوافرة لبناء أسرة، ولكن زميلها -كما تقول- رغم أنه يبدو في الظاهر رجلاً متفتحًا وليبراليًا حسب التعبير المتداول، فإنها اكتشفت أن في أعماقه رجلاً ينام أسيرًا لتقاليد وعادات قريته الريفية، حتى إنه -وهو الجامعي- تزوج من قريبته التي لم تتجاوز إلا بقليل سنوات تعليمها الإعدادي، حتى يبقى هو الآمر الناهي، رغم أنه يتظاهر أمام الناس بأنه رجل يدافع عن المساواة بين المرأة والرجل.