كشفت وسائل الاتصال السريعة أن الاستهلاك الفكري لا يقتصر فقط على العامة، بل امتدت عدواها إلى الفئات الفكرية كافة، بمن فيها النخب -
إذا جاز التعبير وذلك بمشاركاتهم في عمليات القص واللصق لما تبثه تلك الوسائل من لقطات وآراء وأفكار ومقاطع وغيرها. هذا يعني أننا
أمام معضلة فكرية وثقافية واجتماعية؛ فمشكلة الاستهلاك تجذرت في تعاملنا مع تلك الوسائل؛ ما ينبئ عن أزمة حقيقية، بل خطورتها امتدت
إلى بث بعض المقاطع التي تستحلف المتلقي بنشرها على الناس وإلا سوف يقع عليهم وزر عدم إرسالها، ومن ثم يتحملون الآثام والذنوب..
وهنا يتتابع نقل الرسائل دون تمحيص وتدقيق؛ لتصل إلى شريحة واسعة. وبطبيعة الحال تسهم تلك المعلومات عند تكرارها في ترسيخ مفاهيم
قد تكون خاطئة. وهنا مكمن الخطر؛ ما يصعب اجتثاث الأفكار المغلوطة؛ فقطرة الماء المتكررة تفلق الصخر. وحتى نعرف في أي اتجاه نحن
سائرون ينبغي على الجامعات السعودية من خلال الأكاديميين المختصين القيام بدراسات علمية موسعة لعينات من المنشور الذي يتم تناقله عبر الواتس آب، بوضع مقارنة بالمنشور في الدول المتقدمة، كاليابان وبريطانيا وأمريكا.. هل تلك المجتمعات توظف الوسائل التقنية في جوانب ليس لها قيمة،
أم أنها تحرص على استثمار تلك الوسائل فيما يخدم المجتمع؟ بنقل ما يفيد عقولهم، وينمي معلوماتهم، ويعمق ثقافتهم..
من خلال القروبات التي تجمع أطيافًا ذات قواسم مشتركة، سواء في التخصص أو العمل الوظيفي أو التقارب الاجتماعي أو الأسري،
نلحظ أن نسبة عظمى من تلك الرسائل - سواء كانت سياسية أو رياضية أو اجتماعية – متشابهة، بمعنى أن المتلقي يشاهد الرسالة
الواحدة أو مقطع الفيديو أو لقطة الكاميرا منشورة في القروبات كافة (قص ولصق). وهذا أيضًا يندرج تحت خطورة إضاعة الوقت وإهداره.
فماذا يا ترى نطلق على ذلك؟ طبعًا استهلاك اجترار الأخبار، بل إن البعض يردها للآخرين دون قراءتها!
ومما يثير العجب في تأثير تلك الوسائل - مما يجيز لنا القول - أننا نعيش الانفصال الاجتماعي؛ إذ ينهمك الفرد في التواصل
مع شخص وراء المحيطات، فيما يقبع شخص بجواره في عزلة عنه؛ فتشكل حوار تقني عجيب، قرّب البعيد، وأبعد القريب..
إلى أي مدى تدفع بنا وسائل التواصل السريعة؟
ربما القادم أكثر دهشة!
فعلاً، العالم لم يعد قرية صغيرة
بل أصبح واتس آب.