حين تقف أمام المرآة تطالعك ملامح وجهك التي تلازمك منذ أربعين سنة، ولكن ها قد بدأ الشيب يتسلل على مهل إلى عارضيك، تمتلئ نفسك بمشاعر مختلفة، تتساءل هل سأعيش بقدر ما قد عشت؟
هل حققت نجاحًا في حياتي؟ وإلى أي مدى؟
هل أنا سعيد حقًّا؟ هل أنا راضٍ عن نفسي وعن أسلوبي في الحياة؟
أحسب أن الإنسان إذا وصل به قطار العمر إلى هذه المحطة تكون قد تشكلت لديه صورة واضحة الملامح إلى حدٍّ ما عن حياته وآماله وطموحاته، فيستطيع أن يقيِّمها.
ولكن أحيانًا تمتلئ عيوننا ببعض ما يحجب الرؤية بوضوح، كقطرات العرق من اللهاث في طاحونة العمل، أو دموع عالقة من فشل أو معاناة بالحياة العاطفية، أو سراب من بقايا أحلام واعدة، أو بخار ساخن نتج عن الاصطدام وعدم التواصل مع من يشاركوننا الحياة ليلها ونهارها.
ولذا يحتاج الإنسان لوقفة مع نفسه يلتقط فيها أنفاسه ويعيد حساباته
عزيزي الرجل، اليوم تبدأ رحلة جديدة، ولكن تحتاج إلى زاد حتى تصل إلى الشاطئ بسلام، والزاد وفير لديك بالفعل.
أولاً: نفس توَّاقة شغوفة دؤوبة تسعى نحو أهداف واضحة.
ثانيًا: عقل راجح وبصيرة ثاقبة، فهذا زمن النضج والاكتمال.
ثالثًا: قلب يمتلئ بالعاطفة الجيَّاشة، وحب حقيقي عميق يفيض على كل من حولك.
رابعًا: إيمان قوي بأن ما أصابك ما كان ليخطئك، وما أخطأك ما كان ليصيبك، ورضًا تام بما قضى الله وقدر.
يلتفت الرجل ويجيب: هذا الكلام رائع وجميل، ولكن جهاز استقبالي معطَّل مشوّش واقعيًّا، لديّ من المعوقات والعراقيل الكثير حتى أستأنف الرحلة.
أحمل في داخلي هموما كثيرة لا أجد من ينصت لي.. يفهمني.
لا أدري هل هو ذلك نتيجة هبوط إلى أرض الواقع بكل ما فيه (حياة بلا هدف واضح.. شريكة حياة بهتت معها ملامح فتاة الأحلام القديمة.. مسئوليات بدأت أتشكك مع وطأتها في أن أكون لها أهلاً).
لا أدري