المؤمن







يُوصف العبد بالإيمان، فيُقال عنه: فلانٌ مؤمن، وذلك عند تصديقه وإيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه، وبكل ما ورد في الشرع وصحّ منه، في حين أن الله عز وجلّ سمّى نفسه في كتابه بالمؤمن، فما حقيقة هذا الاسم وما معناه؟.

الأصل في الاشتقاق:

المؤمن هو اسم فاعل للموصوف بالإيمان، فيُقال: آمن يؤمن فهو مؤمن، وكذلك للفعل أمن، يُقال: أمن يأمن أمناً فهو مؤمن، وأمن أماناً وأَمَنَة بفتحتين، وقد أمنت فأنا آمن، وآمنت غيري، بمعنى أمّنتهم وجعلتهم آمنين.

وبمراجعة كتب اللغة نجد أنهم أرجعوا معنى كلمة (المؤمن) إلى الأصول التالية:


الأوّل: الأمن، وهو الذي يُقابل الخوف، يقول
ابن سيده من اللغويين: " ابن سيده: الأمن نقيض الخوف، أمن فلان يأمن أمْناً وأَمَنَا"، ومن شواهده في القرآن الكريم قوله تعالى: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام:82)، وقوله تعالى:{ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} (قريش:4).

والأمن والأَمَنَة بمعنى واحد، وفي ضوء ذلك نفهم قوله تعالى:
{ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} (الأنفال:11) أي لأمنكم وإزالة الخوف من قلوبكم، ومنه كذلك ما صحّ عن النبي –صلى الله عليه وسلم- إخباراً عن آخر الزمان: (وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعا) رواه أحمد، والقصود أن الأرض تمتلئ بالأمن، فلا يخاف أحد من السباع والوحوش.

الثاني: التصديق، وهو الذي يُقابل التكذيب، والفعل: آمن إيماناً، يُقال: آمن به قوم وكذب به آخرون، وما أومن بشيء مما يقول أي ما أصدق وما أثق، ومنه قوله تعالى:
{وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} (يوسف:17)، قال أبو منصور الهروي: " لم يختلف أهل التفسير أن معناه: وما أنت بمصدق لنا"، والإيمان في حقنا هو تصديق خبر الله تصديقا جازما, وتنفيذ أمره تنفيذاً كاملا.

الثالث: الأمانة، والتي يُقابلها الخيانة، يقال: آمن فلان العدو إيماناً، وذلك إذا وثق به ولم يخش غدره.


المعنى الاصطلاحي:

يرجع المعنى الاصطلاحيّ لاسم الله المؤمن إلى الأصول السابقة، وأوّل دلائل اسمه تعود على معنى التصديق والإقرار، والمقصود من ذلك الإقرار بربوبيّته وألوهيّته وتفرّده والشهادة على ذلك.

وممن استوحى المعنى السابق من العلماء الإمام
الزجاج حيث قال: " إنما سمى الله نفسه مؤمنا لأنه شهد بوحدانيته، فقال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} (آل عمران:18) كما شهدنا نحن"، ويقول الشيخ السعدي: " المؤمن: الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال والجمال"، وقد سبقهما في ذلك الإمام مجاهد رحمه الله حيث قال: "المؤمن: الذي وحّد نفسه" ثم استدلّ بالآية السابقة.

وأما معنى التصديق، فالمقصود به هو المصدّق لرسله بإظهار المعجزات لهم وإقامة البراهين على صدقهم، والمصدّق للمؤمنين بما وعدهم من الثواب وبما أوعد الكافرين من العذاب، يقول الإمام
ابن الأثير: " في أسماء الله تعالى المؤمن، وهو الذي يصدق عباده وعده، فهو من الإيمان: التصديق" ومما يُستدلّ به على المعنى السابق قول الحق جل ثناؤه: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} (التوبة: 61) فهو سبحانه يُصدّق المؤمنين.

ومن دلالات اسم الله المؤمن، الأمن الذي هو ضدّ الخوف، فقد وعد عباده المؤمنين أن يكون لهم الأمن التام يوم الفزع الأكبر إذا حقّقوا التوحيد وأخلصوه، قال سبحانه وتعالى:
{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام:82)، وفي سورة النمل: { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون } (النمل:89)، ويأمن عباده أن يُعذّبوا بذنوب غيرهم كما هو مقتضى قول الباري في كتابه العزيز: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: 164)، ويأمن من عذابه من لا يستحقّه، فهو أمنٌ من الظلم الذي حرّمه الله تعالى على نفسه، ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "المؤمن: أمن خلقه من أن يظلمهم".

وأما الأمانة، فمن المقرّر نفي ما يُقابلها من الخيانة وهي من صفات النقص التي تنزّه الباري عنها، ولا يوصف الله بها بأي حال من الأحوال، لأن الخيانة خداع في مقام الائتمان، وهذا الفعل نقصٌ من جميع الوجوه، ثم إنها تنافي عزّته سبحانه وقهره لكل شيء وهيمنته على الخلائق.


فتحصّل مما سبق أن اسم الله المؤمن يعني أنه الذي وحّد نفسه وشهد على ذلك، وصدّق رسله وأيّدهم، وصدّق عباده المؤمنين ،فأنجز ما وعدهم ، وآمنهم من الظلم، ومن العذاب حال الطاعة وإخلاص التوحيد، وتنزه عن صفات النقص التي لا تليق كالغدر والخيانة .


أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعيّة:

ورد اسم الله المؤمن في موضعٍ واحد من القرآن الكريم، وهو قول الله جلّ وعلا: { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن} (الحشر:23).

آثار الإيمان بهذا الاسم:

أولاً: استحضار أن الله سبحانه وتعالى لم يزل في كلّ عصرٍ يقيم لعباده الدلائل الواضحات والآيات الباهرات الدالة على تفرّده بالخلق والإيجاد، واستحقاقه للاختصاص بالعبادة، ومعرفة مدى ظلم العباد حينما ينسبون أفعال الخالق إلى الطبيعة الصمّاء التي لا تملك من أمرها شيئاً، ولا تملك لغيرها موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وتجدّد هذه الآيات أمرٌ يدلّ على الشرع، ويشهد له الواقع: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت:53).

ثانياً: إحسان الظنّ بالله سبحانه وتعالى، والثقة فيما عنده، وتفويض الأمور إليه في جميع الأمور، وانتظار الفرج منه، لأن الله سبحانه وتعالى لا يخيّب من رجاه، وقد جاء في الحديث القدسي قوله تعالى:
( أنا عند ظن عبدي بي) رواه مسلم.

ثالثاً: الاطمئنان إلى أن سبيل الحق واضح المعالم، مبتدؤه ومنتهاه معروف، فمن آمن بالحقّ وصدّق به فثوابه الجنّة وعداً صادقاً من الله، والله لا يُخلف الميعاد، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية: " لا ريب أن الله تعالى وعد المطيعين بأن يثيبهم ووعد السائلين بأن يجيبهم، وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد قال الله تعالى: {وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا} (النساء:122)، وقال سبحانه: {وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الروم:6)، وقال سبحانه:{فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} (الرعد:47) "، فحريٌّ بمن أدرك ذلك أن يمضي في طريق الحقّ المبين لا يلتف عنه ولا يحيد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق